طوفان نوح ....قصة سفر فكرة
تحية سلام
سافرت عابرة للقرون والقارات حتى استقرت هنا :
" حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين، وأَهلَكَ إلا من سبق عليه القول، ومن آمن وما آمن معه إلا قليل." (11 هود: 40)
نعم , من منا لم يسمع بهذه القصة الجميلة التي تقص على مسامعنا حكايا الأصول البشرية ...غضب الإله فأغرق الجميع وأورث الصاللحين الارض
كان يا مكان في سالف العصر والآوان , حضارة إسمها سومر , حضارة لا يخفى مدها وتأثيرها ونفوذها على أحد , إذ كانت منارة في الأدب والفكر والعلوم , و سافرت معتقداتها وادبياتها وعلومها خاصة علم الفلك إلى الأمم الأخرى فغزتها غزوا .
ومن بين المد الأدبي لتلك الحضارة نجد قصة أوتنابشتيم (نوح )
فنجد الأستاذ الكبير فراس السواح يقول في مقالته الطوفان بين التوراة والقرآن :
" السومريين في جنوب وادي الرافدين كانوا أوّل من قدّم لنا وثيقة مكتوبة عن هذه الأسطورة ترجع إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد.وقد احتوت الأسطورة السومرية العناصر التي بنت عليها بقية ثقافات المنطقة، إضافة إلى الثقافة اليونانية، تنويعاتها الخاصة. "
الأسطورة السومرية وُجدت منقوشة على رقيم فخّاري مكسور وكثير التشوّه، ولكن ّالأسطر القليلة الباقية من النص كافية لاطلاعنا على الخطوط العامة للقصة"
ويضيف الاستاذ الكبير فراس السواح :
"رأى الملك الكاهن المدعوّ زيوسودرا في إحدى الليالي حلماً سمع فيه صوت أحد الآلهة يكلمه من وراء جدار، ويُعلمه عن قرار مجمع الآلهة بإفناء الحياة على الأرض. عند هذه النقطة يتشوّه الرقيم( الحجر). ومن المرجّح أنّ الجزء المفقود من النص يتحدّث عن تعليمات الإله بخصوص قيام زيوسودرا ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها عدداً من البشر إضافة إلى أزواج من كلّ أصناف الحيوانات ,
وعندما يتّضح النص للقراءة مرّة ثانية نجد وصفاً مكثفّاً لاندياح الطوفان وتراجعه:
" " هبّت العواصف كلها دفعة واحدة، ومعها انداحت سيول الطوفان فوق الأرض، وغمرتها لسبعة أيام وسبع ليال، ودفعت العواصف المركب العملاق فوق المياه المتعاظمة. ثم ظهر إله الشمس أوتو ناشراً ضياءه في السماء والأرض. فتح زيوسودرا كوة في المركب تاركاً أشعة أوتو تسقط منه. ثم خرّ ساجداً أمام أوتو ونحر ثوراً وقدّم ذبيحة من غنم. "
بعد ذلك يعود الرقيم إلى التشوّه.
بعد ذلك يعود الرقيم إلى التشوّه. وعندما يتّضح للقراءة ثانية نأتي إلى خاتمة القصّة، حيث يصف المقطع الأخير سرور الآلهة بنجاة الحياة من التدمير الكامل، ثم إسباغهم على بطل الطوفان نعمة الخلود: " زيوسودرا الملك سجد أمام آنو وإنليل. فوهباه روحاً خالدة مثل الآلهة. عند ذلك دُعي زيوسودرا باسم حافظ بذرة الحياة. وفي أرض دلمون حيث تشرق الشمس أسكناه. " انتهى الإقتباس
*
وانطلاقا من هذه الصورة السومرية للقصة قدم البابليون ملحمتهم الأدبية كذالك ..ونقرأ لفراس السواح العظيم :
" اتخذ مجمع الآلهة بتحريض من إله العاصفة إنليل قراراً بإفناء الحياة على الأرض، ولكن قبل الشروع بتنفيذ خطتهم قام الإله إيا (= إنكي) بنقل الخبر إلى أوتنابشتيم ملك مدينة شوريباك وكلمه من وراء جدار، وأمره أن يبني سفينة عملاقة وفق مخطط خاص شرحه له. وعند اندياح الطوفان عليه أن يحمل إليها كل ما يملك من ذهب وفضة، وأهله وأقاربه، ونخبة من أصحاب الصناعة والحرف، وعدداً لا يحدده كاتب النص من حيوانات الأرض ووحوشها. صدع أوتنابشتيم بما أُمر، وعندما بدأت نُذر الطوفان بمطر غزير مدمّر دخل السفينة وأغلق عليه الباب. استمرّ المطر بالهطول، ثم انهارت السدود وتدفق ماؤها، وانفتحت بوابات المياه الجوفية، فتعاظم الطوفان وحمل السفينة، بينما كانت العواصف الثائرة تحصد البشر وتحطم الأرض مثل جرّة فخارية. حتى الآلهة أنفسهم ذعروا من هول الطوفان وهربوا جميعاً فالتجأوا إلى السماء السابعة سماء الإله آنو كبيرهم، وربضوا هناك عند الجدار الخارجي يرتعدون. وقامت بينهم الإله عشتار تنوح وتندب فناء البشرية، وتعلن ندمها على الموافقة على قرار الطوفان .
ستة أيام وست ليال والرياح تهبّ، والعاصفة وسيول المطر تطغى على الأرض. ومع حلول اليوم السابع هدأ البحر وسكنت العاصفة وتراجع الطوفان. فتح أوتنابشتيم كوّة السفينة، كان الهدوء شاملاً وقد آل البشر إلى الطين، فتهالك وانحنى يبكي. ثم إن السفينة استقرت على قمة جبل نصير الذي منعها من الحركة أسبوعاً. خلال ذلك أتى أوتنابشتيم بحمامة وأطلقها، فطارت بعيداً ثم عادت إليه لأنها لم تجد يابسة تقف عليها. وبعد فترة لا يحددها كاتب النص أطلق أوتنابشتيم سنونو فطار بعيداً ثم عاد إليه. وبعد فترة أخرى أطلق غراباً فطار بعيداً وحام وأكل ولم يعد. عند ذلك أطلق أوتنابشتيم جميع ركاب السفينة في الاتجاهات الأربعة، وقدم ذبيحة للآلهة أحرق تحتها القصب الحلو والآس وخشب الأرز لتشم الآلهة الرائحة الزكية. تجمع الآلهة حول القربان، وعندما وصلت عشتار رفعت عقدها الكريم الذي صنعه لها آنو وقالت: " أيها الآلهة الحاضرون، كما لا أنسى هذا العقد اللازوردي في عنقي، كذلك لن أنسى هذه الأيام قط وسأذكرها دوماً. تقربوا جميعاً من الذبيحة إلا إنليل، لأنه دونما تفكر قد سبب الطوفان." وعندما وصل إنليل ورأى السفينة ثارت ثائرته وقال: " هل نجا أحد من الفانين؟ ألم نقرر إهلاك الجميع؟ " فتوجّه إليه إيا بقوله: " أيها المحارب، أيها الحكيم بين الآلهة، كيف دونما تروّ جلبت هذا الطوفان؟ كان بإمكانك أن تُحمَّل الآثم إثمه والمعتدي عدوانه، تمهله فلا يهلك ولا تهمله فيشتط. لو أرسلت بدل الطوفان الأسود والذئاب لقللت من عدد البشر، لو أرسلت بدل الطوفان المجاعة لأنقصت من البشر، لو أرسلت عليهم الطاعون لحصد منهم. وبعدُ لست الذي أفشى سر الآلهة الكبار. لقد أريت أوتنابشتيم حلماً فاستشفّ من الأمر. والآن اعقد أمرك بشأنه. " فصعد إنليل إلى السفينة ثم أخذ بيد أوتنابشتيم وأصعده هو وزوجته معه وجعلهما يركعان أمامه، ثم وقف بينهما ولمس جبهتيهما مباركاً إياهما وقال: "ما كنتَ قبل اليوم إلا بشراً فانياً، ولكنك ستغدو وزوجتك مثلنا خالدين. " وبعد ذلك أمر بأخذهما وجَعَلَهما يسكنان في القاصي البعيد عند فم الأنهار. " انتهى الإقتباس
الحكاية نفسها مدونة في التوراة العبرانية إذ نجدها تروي التالي :
" ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن الربّ أنه عمِل الإنسان وتأسف في قلبه، فقال الربّ: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودباباتٍ وطيور السماء، لأني حزنت أنّي عملتهم. وأما نوح فوجد نعمة في عيني الربّ (التكوين 6: 5-7).
قد يستاءل المرأ عن سبب التشابه العجيب ؟
و لهذا سننقل عن الباحث فراس السواح قوله
"إن الشكل الأدبي الأخير لملحمة جلجامش التي احتوت على قصة الطوفان البابلية هذه، يعود بتاريخه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ولكن نسخة منها وُجدت محفوظة في مكتبة الملك آشور بانيبال بمدينة نينوى والتي تعود بتاريخها إلى أواسط القرن السابع قبل الميلاد، الأمر الذي يدل على أنها بقيت متداولة إلى حين وصول سبي يهوذا إلى بابل نحو عام 587 ق.م، وكان لدى محرري التوراة فرصة للاطلاع على قصة الطوفان الكبير، ودمجها في روايتهم عن بدايات التاريخ البشري في سفر التكوين."
من العجيب أن لا يجعل الإنسان العقلاني الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين علاقة منطقية رابطة بين هذه الروايات التي كانت موجودة عند البابلين حصرا و كيفية انتقالها لليهود بعد احتكاكهم بالثقافة البابلية وآدابها بعد السبي
وهكذا تسافر أفكار الإنسان ومعتقداته وأدبه الراقي ليقطع القرون والقارات فهو الشىء الوحيد الوحيد الذي لا يموت , فلا يجب أن نكون جاحدين لدرجة تجعلنا ننكر من أهدانا هذه الملاحم الأدبية الرائعة
تحياتي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire