بلاغة أم ركاكة لغوية؟
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
ملاحظاتنا
1- القراءة الموضوعية للنص بحسب قواعد اللغة تقول :
يا محمد إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا , وفجأة ينتقل الخطاب فيتحدث الى المسلمين : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه (تعزروا محمد ) وتوقروه ( توقروا محمد ) وتسبحوه ( تسبحوا الله) بكرة وأصيلا.
ويلاحظ ان الهاء فى تعزروه وتوقروه غير الهاء فى تسبحوه حيث الاولى والثانية تعود على محمد بينما الثالثة تعود على الله , وهذا تخبط فى استحدام الضمائر يؤدى الى الغموض والابهام فى المعنى ويجافى الذوق اللغوى السليم والبلاغة. والمتفق عليه بين فقهاء اللغة ان الاصل عود الضمير على اقرب مذكور والاصل توافق الضمائر في المرجع حذراً من التشتيت كما قال بذلك السيوطى فى الاتقان وغيره من العلماء.
2- باعتراف علماء التفسير هناك من كان يقرأ " تعزروه" بالراء" تعززوه" بالزين اى تجعلونه فى عزة من أمره
3- وايضا يعترف العلماء ان كثير من القراء كانوا يقرءون الثلاثة افعال " وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ" بالياء فقرءوها : يعزروه أو يعززوه ويوقروه و يسبحوه . ومرجع ذلك ان القرآن , مصحف عثمان , كان بلا تنقيط وبلا تشكيل قبل ان ينقط ويشكل فى زمن الحجاج
4- فكانت التاء والياء تكتبان بنفس الرسم فى الكلمات تعزروه او يعزروه , توقروه او يوقروه , تسبحوه او يسبحوه .
وكذلك حرف الراء وحرف الزين كانتا لهما نفس الرسم وهذ ا يوضح سبب من قرأ تعزروه او تعززوه
5 – بما ان التسبيح لله وحده وبما ان كلمة " تسبحوه" معطوفة على " توقروه وتعزروه" فمن منظور لغوى ونحوى قال بعض العلماء ان الافعال الثلاثة جميعا تعود على الله حيث التعزير والتوقير والتسبيح لله , وعن اختلاف القراءتين يقول الطبرى :
" والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى , فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ."
وأخيرا نتساءل هل من الاعجاز اللغوى أو من البلاغة ان تكون مثل هذه الاية غامضة ومبهمة فى معناها بحيث يختلف العلماء فى تفسيرها؟
وهل من البلاغة ان يستخدم الضمير المتصل ثلاث مرات فى ثلاث افعال يربطها واو العطف ومع ذلك يتأرجح العائد على الضمير ما بين محمد والله بلا نظام او ضابط؟
ويعلق جرجس سال فى ( اسرار عن القرآن ):
" فالمعنى ههنا قلق مضطرب لالتفاته من خطاب محمد إلى خطاب غيره قبل تمام الجملة الابتدائية ولأن الضمير المنصوب في قوله تعزروه وتوقوره عائد على الرسول المذكور آخراً وفي قوله تسبحوه عائد على لفظ الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى ولكن ليس في اللفظ ما يعينه تعييناً يزيل اللبس فلذلك اختلف فيه المفسرون فجعله بعضهم في الأفعال الثلاثية عائداً على لفظ الجلالة واختار غيرهم عوده في الأولين على الرسول وفي الأخير على لفظ الجلالة كما قلناه وهو الأقرب في المعنى وإن كان الأول هو الأصح في التركيب.
التفاسير
الطبرى
ثم اختلفت القراء في قراءة قوله : { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } فقرأ جميع ذلك عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر المدني وأبي عمرو بن العلاء , بالتاء { لتؤمنوا , وتعزروه , وتوقروه , وتسبحوه } بمعنى : لتؤمنوا بالله ورسوله أنتم أيها الناس . وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو كله بالياء " ليؤمنوا , و يعزروه , ويوقروه , ويسبحوه " بمعنى : إنا أرسلناك شاهدا إلى الخلق ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه.
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى , فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : { وتعزروه وتوقروه } اختلف أهل التأويل في تأويله , فقال بعضهم : تجلوه , وتعظموه . ذكر من قال ذلك : 24355 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس { ويعزروه } يعني : الإجلال { ويوقروه } يعني : التعظيم . 24356 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ويعزروه ويوقروه } كل هذا تعظيم وإجلال . وقال آخرون : معنى قوله : { ويعزروه } : وينصروه , ومعنى { ويوقروه } ويفخموه .
ومعنى التعزير في هذا الموضع : التقوية بالنصرة والمعونة , ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال .
والهاء في قوله : { وتسبحوه } من ذكر الله وحده دون الرسول . وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءات : " ويسبحوا الله بكرة وأصيلا " . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
القرطبى
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
قَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو " لِيُؤْمِنُوا " بِالْيَاءِ , وَكَذَلِكَ " يُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ " كُلّه بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر . وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد لِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْله وَبَعْده , فَأَمَّا قَبْله فَقَوْله : " لِيُدْخِل " وَأَمَّا بَعْده فَقَوْله : " إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَك " [ الْفَتْح : 10 ] الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم .
وَتُعَزِّرُوهُ
أَيْ تُعَظِّمُوهُ وَتُفَخِّمُوهُ , قَالَهُ الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ , وَالتَّعْزِيز : التَّعْظِيم وَالتَّوْقِير . وَقَالَ قَتَادَة : تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ . وَمِنْهُ التَّعْزِير فِي الْحَدّ لِأَنَّهُ مَانِع . قَالَ الْقُطَامِيّ : أَلَا بَكَرَتْ مَيّ بِغَيْرِ سَفَاهَة تُعَاتِب وَالْمَوْدُود يَنْفَعهُ الْعَزْر وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة : تُقَاتِلُونَ مَعَهُ بِالسَّيْفِ . وَقَالَ بَعْض أَهْل اللُّغَة : تُطِيعُوهُ .
وَتُوَقِّرُوهُ
أَيْ تُسَوِّدُوهُ , قَالَهُ السُّدِّيّ . وَقِيلَ تُعَظِّمُوهُ . وَالتَّوْقِير : التَّعْظِيم وَالتَّرْزِين أَيْضًا . وَالْهَاء فِيهِمَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُنَا وَقْف تَامّ , ثُمَّ تَبْتَدِئ " وَتُسَبِّحُوهُ "
وَتُسَبِّحُوهُ أَيْ تُسَبِّحُوا اللَّه
بُكْرَةً وَأَصِيلًا
أَيْ عَشِيًّا . وَقِيلَ : الضَّمَائِر كُلّهَا لِلَّهِ تَعَالَى , فَعَلَى هَذَا يَكُون تَأْوِيل " تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ " أَيْ تُثْبِتُوا لَهُ صِحَّة الرُّبُوبِيَّة وَتَنْفُوا عَنْهُ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد أَوْ شَرِيك . وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الْقُشَيْرِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل الضَّحَّاك , وَعَلَيْهِ يَكُون بَعْض الْكَلَام رَاجِعًا إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَهُوَ " وَتُسَبِّحُوهُ " مِنْ غَيْر خِلَاف . وَبَعْضه رَاجِعًا إِلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ " وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ " أَيْ تَدْعُوهُ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة لَا بِالِاسْمِ وَالْكُنْيَة .
ابن كثير
" لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ " قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَغَيْر وَاحِد تُعَظِّمُوهُ " وَتُوَقِّرُوهُ " مِنْ التَّوْقِير وَهُوَ الِاحْتِرَام وَالْإِجْلَال وَالْإِعْظَام " وَتُسَبِّحُوهُ " أَيْ تُسَبِّحُونَ اللَّه" بُكْرَةً وَأَصِيلًا " أَيْ أَوَّل النَّهَار وَآخِره .
الجلالين
"لِيُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله" بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِيهِ وَفِي الثَّلَاثَة بَعْده "وَيُعَزِّرُوهُ" يَنْصُرُوهُ وَقُرِئَ بِزَايَيْنِ مَعَ الْفَوْقَانِيَّة "وَيُوَقِّرُوهُ" يُعَظِّمُوهُ وَضَمِيرهَا لِلَّهِ أَوْ لِرَسُولِهِ"وَيُسَبِّحُوهُ" أَيْ اللَّه "بُكْرَة وَأَصِيلًا" بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ
ليتق الله كل زنديق فاجر
RépondreSupprimerكذبت، إنما الركاكة في عقلك
RépondreSupprimerالهاء تعود على الله سبخانه وتعالي في الضممائر الثلاثة
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( وَتُعَزِّرُوهُ ) يعني: الإجلال ( وَتُوَقِّرُوهُ ) يعني: التعظيم.
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) كل هذا تعظيم وإجلال.
وقال آخرون: معنى قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ ) : وينصروه, ومعنى ( وَتُوَقِّرُوهُ ) ويفخموه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَتُعَزِّرُوهُ ) : ينصروه ( وَتُوَقِّرُوهُ ) أمر الله بتسويده وتفخيمه.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله ( وَتُعَزِّرُوهُ ) قال: ينصروه, ويوقروه: أي ليعظموه.
وقرأ بعضهم وتسبحوا الله بكرة وأصيلا
RépondreSupprimerوقد يكون والله أعلم في تفسير قوله تعالى وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكره وأصيلا كل الضمائر عائدة إليه تعالى وحده كما في قوله تعالى سيؤتينا الله ورسوله من فضله إنا إلى الله راغبون فضمير الها في فضله عائد اليه سبحانه وتعالى
RépondreSupprimer